عبد السلام حاج بكري
لم تفلح محاولات نظام الأسد بحجب حقيقة تفشي فايروس كورونا في سوريا، وهو دأب على إخفاء أعداد الإصابات والوفيات بحجبها تحت مسمّى “ذات الرئة”، غير أن الحقيقة ترفض إخفاءها لفترة طويلة، لا سيما أن المصابين بالفايروس يعيشون بين الناس، ويجري تبادل أخبارهم، وإن كان بشكل محدود.
الحقيقة تطفو إلى العلن شيئا فشيئا، حتى أن النظام لم يعد قادرا على إخفائها، وكانت أولى إشاراته لتفشي الوباء قرارات أصدرها بوقف التدريس وفرض حظر تجول ليلي وخطوات أخرى تحدّ من التجمعات، وهذه الأخيرة لم يكتب لها النجاح لأنه، أي النظام، لم يستطع توفير كميات الخبز اللازمة، فاضطر المدنيون للتجمهر على أماكن وجودها أملا، قد لا يتحقق، بالحصول على “خبزات الأطفال”.
تكاثرت الإصابات والوفيات، وبات الجميع يدرك الخطورة التي تحيط بهم، وتنادى البعض أفرادا وجمعيات مدنية للقيام بإجراءات شخصية، بعيدا عن أجهزة النظام، هدفها توفير الوقاية من العدوى، ليقينهم أنهم إن لم يبادروا لحماية أنفسهم فسيكون للفايروس فرصة كبيرة للنيل منهم، لأن “قيادتهم الحكيمة” تركتهم لمواجهة الوباء عندما أخفى انتشاره عنهم، عدا عن إمكاناته المتهالكة التي لا تستطيع معالجة المصابين أو توفير حد أدنى من الرعاية الطبية لهم، في حال أراد ذلك، وقد وظّف كل موارده خلال سنوات طويلة لشراء السلاح لقتل السوريين.
تجرّأت صفحة “أخبار اللاذقية وريفها” على إعلانها صرخة مدوّية: ساعات قليلة على فقدان الأمل، أما لماذا تطلقها صفحة على فيسبوك ومن اللاذقية بالتحديد؟ الجواب بكل بساطة لأن المدينة غدت موبوءة بشكل كبير، وتزداد ساعة بعد أخرى أعداد الوفيات والإصابات تحت مسمى “ذات الرئة”.
الصفحة الموالية للنظام رهنت حياة طاقم تحريرها بردّة فعل النظام على إعلانها هذا، وقد آثرت أن تخبر الناس، كل الناس الحقيقة، أيا كان مصير الصفحة وطاقمها.
كتبت، “الآن استنفذت كل الوسائل لاحتواء الفيروس، كم من أم ستسمع صراخ طفلها وتمنع من الاقتراب منه؟ وكم من شاب سيودع أمه وأباه من خلف الزجاج دون أن يحرك أحد ساكنا”.
ولم يكن صراخ صفحة أخبار اللاذقية وريفها النشاز الوحيد عن جوقة الأسد، فكثيرة هي الصفحات الشخصية التي بدأت تنشر الحقائق والأرقام، وكذلك كثيرة هي التعليقات الساخرة والمكذّبة على صفحات وزارة الصحة ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء التي تتحدث عن حالة وفاة واحدة وبضع إصابات بالفايروس.
كذلك حال الناس في الشارع والمحلات، ما عادوا يخفون ما يملكون من معلومات عن إصابات في أقارب أو معارف لهم، ويتبادلون صور المصابين والوفيات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، متجاوزين حالة الخوف من تداول أخبار انتشار الكورونا التي حاول النظام زرعها وسطهم من خلال تسريبه فيديوهات لعناصر أمن يقتادون إلى الفروع الأمنية أشخاصا تحدثوا عن المرض.
ويتداول الشارع السوري أنباء عن رفض المشافي العامة لاستقبال المصابين بفايروس الكورونا، وإيعازها للمراجعين بشبهة الإصابة إلى العزل المنزلي الذي بدوره يهدد أسرهم، نساء وأطفالا وربما محيطهم، وهذا يحمل خطر تضاعف أرقام المصابين بأيام قليلة.
سألنا طبيبا في المشفى الوطني في اللاذقية عن كيفية تعامل المشفى مع مصابي الكورونا، ضحك طويلا بسخرية واضحة وأجاب: ليس لدينا مرضى بالكورونا، لم نسجل أي إصابة حتى اللحظة.
وأمام إصرارنا على معرفة شيء ما عن ردّة فعل المشافي على “أنباء” انتشار الكورونا في سوريا واللاذقية، وهل تحضّرت للتعامل مع الوباء، قال بشيء من الاستسلام للأمر الواقع: لا.. لم تفعل المشافي شيئا، ووصلت لإدارة المشفى أوامر أمنية بمنع استقبال مرضى يمكن أن يكونوا مصابين بالكورونا، وطلبت التستر على أي حالة تصل المشفى وإبلاغ الجهات الأمنية عنها.
هكذا يتعامل نظام الأسد مع اللذين يعيشون في مناطق سيطرته إما ولاء أو لعدم القدرة على مغادرتها، يتركهم، أو يدفعهم للموت عندما يرغمهم على التجمهر للحصول على الخبز والزيت والرز والسكر، يرغمهم على التجمع أمام الصرافات الآلية لقبض رواتبهم التي لا تكفيهم ثمن خبز، إن وجدوه.
ولا يخرج عن السياق القول بأن فايروس كورونا دخل سوريا منذ مطلع العام، حملته إليها ميليشيات إيرانية وعراقية تساند نظام الأسد بقتل أبناء بلده، وكان الفايروس قد انتشر كالنار في الهشيم في الدولتين، وباتت سوريا مثلهما، وراحت تصدّر الوباء حسب إعلان محافظ إحدى مدن العراق الذي تحدث عن قدوم سوريين إلى المدينة ينخّون تحت عبء ثقل الفايروس.