عبد السلام حاج بكري
كل الدول الفاعلة في القضية السورية لا تريد للجنة الدستورية أن تنجح في عملها، بل لا يريدون لها أن تكمله، هي وجدت من أجل المزيد والمزيد من استهلاك الوقت، وصرف من بقي مهتما بالشأن السوري لمتابعة أخبارها والصراعات داخلها عند محاولة إقرار أي بند هام في الدستور العتيد.
حلّ القضية السورية يمرّ عبر أحد طريقين، لا ثالث لهما، الأول عسكري يقضي فيه أحد الطرفين على الآخر ويستولي على الحكم ويقرر ما يريده، دون أن ننظر إلى ردّ الفعل الدولي حينها، أما الثاني فهو سياسي، يدّعي العالم أنه يرغب به، ومن أجله اتخذ القرار 2254 وما تبعه من لقاءات في جنيف، والجهد الذي بذل من أجل تنفيذه عبر السلال الأربع المعروفة.
أما الحلّ العسكري فهو غير وارد وليس مطروحا على الطاولة أو تحتها لتداخل وتضارب مصالح أطراف دولية وإقليمية في سورية، وهي ذاتها منعته في أكثر من مرّة سابقا، مرّة من خلال السماح أو الإيعاز لحزب الله والميليشيات الإيرانية بالدخول إلى سورية حينما أحكم الجيش الحر سيطرته على ثلثي مساحة سورية، وكان يطرق أبواب القصر الجمهوري في دمشق، ويشرف على مسقط رأس النظام في القرداحة ، ومرة عندما استخدم النظام الكيماوي بكمية كبيرة أودت بالمئات في الغوطة عالم 2013، واشرأبت أمريكا معلنة عزمها على معاقبة الأسد لتنتهي تمثيليتها بالمشهد السخيف بين لافروف وكيري واتخاذ قرار سحب الكيماوي وعدم معاقبة المجرم الذي استخدمه.
ولم يسر العالم بخطوات جدّية باتجاه الحل السياسي، واكتفى باتخاذ قرار لم ينفذ منه أي بند، وأوكل لديمستورا شؤون متابعة تطبيقه حسب توجهات لم يعرف مصدرها الأساس، لكنه اتفاق دولي على الأرجح، وليس مجرد أجندة روسية كما يرى البعض.
المدعو ديمستورا بدأ بتفريغ القرار من مضمونه من خلال طرحه بداية خطة المدن الأربع، ثم خطة حلب أولا، ثم السلال الأربع، ثم، وقبيل مغادرته نسف القرار الدولي ومخرجات مؤتمر جنيف بالانتقال إلى سلة اللجنة الدستورية وحدها ورمى كل ما عداها في سلة المهملات.
التقطت روسيا الخيط وبدأت تحيك به معلنة أنه سيغدو سجادة يعبر عليها السوريون إلى الحلّ النهائي العادل، وانقاد معها مدفوعا بطموحاته السياسية المتواضعة جمع من المعارضة السورية أو من يدّعون المعارضة، فكانت الأستانات المتلاحقة وبعدها سوتشي التي كانت تخسر عقب كل جولة فيهما حيّزا جغرافيّا من حصتها المدفوع ثمنها بالدماء الثورية.
مماطلات منعت الحلّ رعتها ظاهرا روسيا بيد أنها كانت توجها دوليّا تتراوح أسبابه بين انتظار صفقة القرن واستكمال التوافق على تقاسم المصالح وخرائط النفوذ، وبما أن الانتظار سيد الموقف، فلا بد من مبرر معلن للسوريين ومن يهمهم الأمر، فكانت اللجنة الدستورية التي يساوي مجموع حساباتها الصفر.
لم يكن العالم حياديا خلال كل الفترة المستهلكة فهو أغمض الطرف عن مساندة روسيا وإيران للنظام في استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت بحوزة المعارضة، وسمح لتركيا بمصادرة قرار الفصائل العسكرية المعارضة، فحوّل الحوار بعيدا تماما عن السوريين.
لا يريد النظام ومثله المعارضة لعمل اللجنة الدستورية النجاح، هذا وفقا لمؤشرات قدمها الطرفان من خلال مسيرة الحراك السوري على مدى السنوات السابقة، لأنه يبتغي استكمال السيطرة على كل سورية مدعوما بالروس والإيرانيين، واستعادة مكانته الدولية بغطاء روسي في الأمم المتحدة، وهو لن يسمح للجنة الدستورية بالنجاح، رغم أنها أقل السلال أهمية للسوريين، فهو يرفض أي دور للمعارضة إلا تلك التي تحت جناحيه بدمشق ومنصة موسكو وفريق بعينه ضمنها، ويرى في اللجنة اعترافا بغير هؤلاء، كما يخشى النظام أن تكون اللجنة مفتاحا (ولو بعيد المدى) للحلّ.
أما المعارضة التي كان يجب أن تشترط انبثاق اللجنة عن هيئة الحكم الانتقالي وهي السلة الأولى بجنيف، توافق اليوم على عمل اللجنة وهي على ثقة باستحالة تمرير أي بند في الدستور دون موافقة نظام الأسد، وهذا ما ينفي أصلا الحاجة لتشكيل اللجنة لأن نظام الأسد لديه دستور قائم.
توافق المعارضة على اللجنة وإقصاء ما عداها من السلال إما عمالة للنظام أو جهلا بأبجديات العمل السياسي، ولا يخرج عن ذلك تصريح رئيس هيئة التفاوض بأن نجاح اللجنة يقتضي حسن النوايا من النظام والدول الفاعلة، دون أن يسأل نفسه عن ماهية نوايا هذا النظام عندما استخدم الكيماوي مرات عديدة وارتكب المجازر ودمّر وهجّر، وكل ذلك أما ناظري العالم الذي ينتظر منه حسن النوايا أيضا.
وربما استشعرت مكونات المعارضة قرب انتهاء دورها ففضّلت الاستفادة من الامتيازات الشخصية التي توفرها المشاركة في اللجنة من مطارات ومؤتمرات وفنادق وأسفار، وقد يكون كل ذلك مجتمعا، ولهذا لا تريد انتهاء عمل اللجنة أو نجاحها لأن مهمة أفرادها تنتهي بانتهاء عملها.
شهور، وربما سنوات، ستعمل اللجنة على تعديل دستور الأسد، كما يقول مسؤولو نظامه، أو وضع دستور جديد كما تقول المعارضة، وحتى ذلك الوقت تستمر المقتلة السورية، ولن يضع إنجاز الدستور حدا لها، إن لم يتوافق الكبار على حلّ لهذا البلد المنكوب بنظامه ومعارضته.