عبد السلام جاج بكري
حتى اللحظة لا يزال التاجر الأمريكي متمسكا بعصا العقوبات الاقتصادية، غير مبال بالاستفزازات الإيرانية، بل على العكس فهو يستثمرها لحشد المزيد من الدعم المالي لصندوق الدولة الأكبر مقابل السهر على حماية تدفق النفط العالمي إلى الأسواق بسلاسة.
لا أزال على قناعتي بوجود حلف استراتيجي أمريكي إسرائيلي إيراني، وأستبعد خلخلة أركانه في المدى المنظور، وما التصعيد الأخير في منطقة الخليج “الفارسي” سوى فيلم أميركي لمخرج كبير محبوك بعناية ليحقق انتشارا وأرباحا كبيرة.
لن نسترجع التاريخ ونحصي دلائل التعاون الاستراتيجي بين مكونات الحلف المذكور، فهي ناصعة للجميع، والفيلم الحالي يهدف لسحب أموال عربان الخليج “على دوز بارة” لعقود قادمة، ويهدف في الوقت عينه لضبط السلوك الإيراني ضمن الخطوط المرسومة منذ زمن، والتي لا تسمح بتضخيم رأس في المنطقة سوى الرأس اليهودي.
ولتحقيق الغاية الأولى بأموال الخليج تهوّل الولايات المتحدة الأمريكية الخطر الإيراني على استقرار ممالك الرمل ومدن الملح في تلك الصحراء التي تكتنز نصف نفط العالم، فتدفع إيران لنشر الرعب في محيطها من مياه الخليج إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، فتخنع الرؤوس الفارغة للرغبة الأمريكية بشراء السلاح محظور الاستعمال إلا على شعوبها بينيا، وتلتزم بدفع تكاليف سياحة الجنود الأمريكان والخبراء العسكريين في البحر المتوسط والمحيط الهادي.
أما الهدف الثاني المتمثل بتحجيم الدور الإيراني في المنطقة على أن يبقى الأقوى بعد الإسرائيلي، تدرك الولايات المتحدة الأمريكية التي يقودها تاجر محترف أن العقوبات الاقتصادية التي يفرضها على إيران تكفي لتحقيق الغاية وإعادة الشلفون صوصا.
محاصرة إيران اقتصاديا بهذا الشكل المنسق بعناية ستؤدي لخسارة هي أكبر ما يمكن أن تتعرض لها دولة على وجه الأرض، وهذا يفوق أضعاف ما تحقق الحرب العسكرية، فهذه الدولة القائمة على تدفق النفط ستضطر، بالتأكيد، للالتزام بكل ما يريده ترامب ومن ورائه نتنياهو بضبط السلوك وفق المعايير المصالحية للدولتين.
دولة العمائم السوداء تدرك ذلك تماما، وهي تستعد لفعل كل شيء، وأي شيء لرفع هذه العقوبات عن كاهل اقتصادها الذي يسابق الزمن إلى الحضيض، ما عدا التمدد في محيط دولة آل سعود لأنها ترى فيه استمرارا لوجودها ولا تراه خروجا عن اتفاقاتها السرية مع الإسرائليين والأمريكان، حيث لم تنفعها محاولات الالتفاف عليها والتهرب منها عبر التجارة السوداء، وتلك المخفية بلبوس عراقي وسوري.
لقد وجدت الرؤوس الإيرانية غير المعنية بحياة شعبها وأمنه أن الحرب العسكرية “فيما لو نشبت” ستكون نتائجها أهون وأقل خسارة من الحرب الاقتصادية، لأنها ستنتهي يوما وإن كانت لها نتيجة وحل واحد هو الاستجابة للرغبات الأمريكية، لكن قيادة إيران ستجني من ورائها أكثر مما يتوقعه الخصوم “الحلفاء”، بتثبيت فكر المقاومة والممانعة والتصدي للإمبريالية العالمية والدولة الصهيونية، وهذا يرفع رصيدها في العالم الإسلامي ويثبت حكمها في إيران والمنطقة.
تتحرش بأمريكا وبريطانيا والإمارات والجزائر حتى بالقرود السود، تضرب السعودية، تتوسلهم بذلك شن حرب عليها تخرجها مما هي فيه من هبوط اقتصادي ومالي، تعيد فيها خلط الأوراق في المنطقة الأكثر حساسية في العالم، تتصور أن ذلك سيخل توازن سوق النفط، ويبدل ملامح التحالفات في المنطقة، وربما يرغم العالم على الإسراع لوقف الحرب، ودراسة الحلول البديلة، التي ربما تراها في مصلحتها.
حتى اللحظة لا يزال التاجر الأمريكي متمسكا بعصا العقوبات الاقتصادية، غير مبال بالاستفزازات الإيرانية، بل على العكس فهو يستثمرها لحشد المزيد من الدعم المالي لصندوق الدولة الأكبر مقابل السهر على حماية تدفق النفط العالمي إلى الأسواق بسلاسة.
ولن تنساق بريطانيا إلى حرب مع إيران دون الاتفاق الكامل مع ترامب رغم أنها تلقت إهانة مباشرة من الدولة الفارسية عبر اقتياد سفينة لها كنعجة إلى الشواطئ الإيرانية، وربما لا يبدأ ترامب الحرب حتى لو احتجزت إيران سفينة لبلاده، منتظرا وقدماه في ماء باردة.
لن تحمل الأيام القادمة سوى المزيد من الاستفزاز الإيراني، والتجاهل الأمريكي، وعندما يبلغ السيل الزبى، ستتضرب أمريكا بعض ما لدى إيران من سلاح فعال وربما المفاعلات النووية “وفي هذا استجابة للرغبة الإسرايلية”، وتعود إيران إلى الخطوط القديمة وتستمر فزاعة للعربان.