تحوّلت الجزيرة 16 بمشرع دمّر السكني وهي من أرقى وأحدث أحياء محيط دمشق إلى وكر مكشوف للدعارة التي تمارس بشكل شبه علني في مداخل الأحياء المعتمة وفي الشوارع وعلى الأرصفة حيث انتشرت طاولات المشروبات الروحية والأركيلة.
باتت الجزيرة مقصدا لسكان دمشق الباحثين عن متنفّس من ضغط المدينة وازدحامها نظرا لارتفاعه ونقاء هوائه، وبادر شبيحة الأسد وضباط المخابرات والجيش لافتتاح أكشاك غير مرخصة توزّع المشروبات والأراكيل وتقدم خدمات جنسية يبحث عنها كثيرون.
يعمل جنود وعناصر مخابرات على تقديم الطلبات للزبائن ومع كل طلب يسأل هؤلاء زبائنهم إن كانوا يرغبون باستراحة، وهذا يعني أن صبيّة من حيّ المزّة 68 أو حيّ عش الورور مستعدة لفعل ما يرغب مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 25 ألف و50 ألف ليرة سورية.
في كلٍّ من هذه الأكشاك التي بنيت على عجل سرير صغير يقبع في زاويته لتلبية طلبات الجنس العاجلة، ولا يفصلها عن العاملين في الكشك سوى قطعة قماش لا تستر جسدا ولا تمنع صوتا.
وتبادر الفتيات لمداعبة الشباب على الطاولات والشرب معهم مقابل مبلغ أقل، وذلك حسب رغبة الزبون.
يستغل بعض الشباب الدمشقي هذه الأجواء التي لا تملك السلطات المختصة ضبطها، فيأتون للمكان ويختلون ببائعات الهوى في الحارات والزوايا التي تعمّد أصحاب الأكشاك إطفاء الأنوار عنها.
وهذا لا يتم مجانا، فمن لا يدفع لصاحب الكشك القريب مقابل التطنيش عما يفعل، يرسل هذا مجموعة من عناصر المخابرات والجيش إليه، مدّعين أنهم دورية للأمن الجنائي، وعليه والحالة هذه أن يدفع لهم مقابل ما يفعل، وهذه المرة يكون المبلغ مضاعفا خشية الفضيحة.
ما رأي سكان الحي؟
معلوم أن مشروع دمّر السكني شُيّد بسرعة مذهلة قبل عشرين عاما على تلّ يشرف على دمشق، حتى شبّهه كثيرون بقاسيون، ونظرا لهذه الميزة وفخامة الشقق السكنية فيه فقد صار من أغلى البنيان في العاصمة، لا يستطيع سوى الأثرياء شراء منازل فيه.
سكان الحي الذين دفعوا أموالا طائلة من أجل اقتناء منزل فيه يبدون مستائين من الانفلات الأخلاقي الذي تفشى فيه، ومنهم من طالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر مراجعة الجهات المختصة بوضع حدّ لهذه المهزلة، لكن لا حياة لمن تنادي، فهذه الجهات أضعف من أن تفرض سلطتها على ضباط الأمن والجيش الذين يسهرون على رعاية هذه الممارسات.
“أبو ياسر” دمشقي من الميدان باع منزله واشترى لأسرته شقة في الجزيرة 16 ندب حظه على السكن فيه، وقال “دفعنا الملايين لنستقر بمنطقة نظيفة الهواء، وافترضنا أن ثراء سكانه يجعله راقيا، لكن لا رقي في أي منطقة إذا وجد فيها العسكر، لقد تحولت حياتنا جحيما، لا أستطيع السماح لبناتي وزوجتي مغادرة المنزل بعد موعد السادسة مساء، كما لا يمكننا الجلوس على الشرفة نظرا للمشاهد المؤذية التي تحدث في الحيّ”.
من جانب آخر اشتكى السكان من الصخب الصادر عن الأكشاك حيث يتم تشغيل الأغاني الشعبية بصوت مرتفع حتى ساعات الفجر الأولى، عدا عن تسيّير ضابط برتبة عقيد في الأمن العسكري لقطارين يسيران على الدواليب، يتجولان في المشروع يروّحون عن الشباب، ويحدثان ضجيجا هائلا.
صحفي من المقربين للسلطة أبدى استياءه مما يجري، وراجع مرارا وزارة الداخلية وفرع الأمن الجنائي ومسؤولين كبار بمحاولة لوقف هذه الممارسات التي وصفها بغير الأخلاقية والمشينة، لكنه أيضا فشل في مسعاه، وتحدث عن مشاهدته لمسؤولين وعناصر ممن راجعهم بين كوكبة الساهرين في المكان.
“ما جنيته خلال 30 عاما وضعته في سكن اتضح لي أنه أكثر قذارة من الأماكن المختصة بهذه الأعمال، لأن ما يجري فيه يتم على الملأ، إنه منظر أقل ما يقال فيه إنه عيب” حسب قول الصحفي الذي طلب عدم ذكر اسمه، وهو الآن يفكر ببيع شقته والانتقال من المشروع الحديث.
منذ أن وزّع نظام الأسد السلاح على شبيحته، وأنزل جيشه للشوارع قبل ثمانية أعوام زادت الفوضى وتصاعد الانحراف الأخلاقي بقيام هؤلاء برعاية هذه الممارسات لما تدره من أموال، ولم تعد السلطة قادرة على عملية الضبط، فكل قائد مجموعة شبيحة أو ضابط مهم هو سيّد منطقته يفعل فيها ما يشاء.